انت تعيش ولكن هل انت حي

أنت تعيش... ولكن هل أنت حي!؟
- ألا ما أكثر الأحياء الذين نقابلهم، فنعجب من تصرفاتهم، وجهات نظرهم، سطحية أهدافهم، فنخالهم أمواتاً!…
تمر السنون؛ ننتقل من مرحلة إلى أخرى في طور نمونا، تتغير كل الأشياء من حولنا، حتى أفكارنا، رؤانا في الأشياء تتغير أو بالأحرى تتطور، تتشبث بعض الأحداث في عقولنا أكثر من غيرها، وتبالغ أخرى بأخذ حيز أرحب من شواغلنا، منعطفات لا نستطيع تجاوزها..... بعض الأفراد يتوقف نبض حياتهم عند حادثة بعينها؛ لتستنزف طاقاتهم، فإذا مروا بتجارب فاشلة؛ خالوا أن الفشل في تحقيق ما رغبوا فيه لأن الإمكانات ساعتها كانت غير متاحة، أو لسبب توهمهم أنهم غير قادرين على فعل شيء آخر يمكن تحقيقه ضمن المعطيات الحالية؛ خالوا الفشل سيكون حليفهم في كل محاولة؛ فتتزعزع لذلك ثقتهم بأنفسهم، وتفارقهم روح المبادرة المُغامِرة، ويمسون في حالة من الضعف والحزن، اليأس: حالة احتضار!

- هناك من يتقوقع في الماضي و يسّفه الحاضر! يعيش في أحداث مضت، وينسى حاضره ومستقبله، وليته يستقي العبرة منه؛ بل هو يبكي على أطلاله، ليهرب من واقعه؛ يخال أنه يعوض ما ينقصه في حاضره اليوم، ينعش ذاكرته دوماً بتفاصيل مضت، حقاً قد تنعشه مؤقتاً؛ و لكنها حتماً لن تحييه! فلعل ما مضى يكون عبئاً ثقيلاً عليه، يشلّ خطواته، أو يتعثر بأخطائه، الماضي هو الموت بعينه فكيف تنتظر منه أن يحييك!؟

- الجمود الفكري هو موت أيضاً، هناك من يُسيّج عقله بحواجز صخرية جامدة سمّاها مبادئ، أفكار، آراء؛ فأصبح يرى العالم من خلالها، يستقي منها ردود فعله مع من يقابل، و يطلق الأحكام انطلاقاً من قواعد راسخة في ذهنه، لا بأس أن يدافع المرء عن مبادئه؛ لكن لابد من المرونة في تطبيقه إياها، هؤلاء الأشخاص الذين يحبون أفكارهم و يدافعون عنها أكثر مما يحبون الحقيقة أموات ولا شك! تحتاج العقول إلى أن نغربلها ما بين الفينة والأخرى؛ حتى لا يتراكم عليها غبار الوهم، حتى نخلصها من تلك الآراء الخاطئة، بل من كل ما يعقِل مبادراتنا الطيبة تجاه الآخرين!

- جميل أن يتحلى أحدنا بصفات تجعله مضحياًّ يقوم بواجباته: يعاون الآخرين ويأخذ بأيديهم؛ لكن أن ينسى نفسه في هذا الخضم من المهام! إذاً هو يزيد الأعباء عليه وكأني به يأخذ من أعباء الغير ليضعها على متنه ليئن من كثرتها، ويشكو ضيق الوقت بعدها! كأني به هنا يُطبق قاعدة نُكران الذات؛ لكنه أخطأ في تطبيقها، أو هو لم يع ِ خلاصة هذه القاعدة؛ أن تُنكر ذاتك: أن تتجاهلها إذا دعتك لما يُنافي قيمك، أن تزجرها إن حاولت الأخذ بزمام الأمور لتلقيك في حبائل هواها، أن تكبح جماحها إذا عرصت في ميادين الشر، أن تُنكر ذاتك يعني أن تؤثر الآخرين ولو كان بك خصاصة، أن لا تنتظر شكر أحدهم على معروف بذلته، ولا تسمح لنفسك أن تحاول رفع هامتها لتتمنن بما أعطت، لكن فيما خلا ذلك؛ أحب نفسك، واسمُ بها نحو العمل الشريف، والقول العفيف، أما أن تُنكر ذاتك؛ فتغفل عمّا يصلحها ويقوِِّم حالها،؛ لتحدُّ بذلك من عطائها، فذلك يعني أنك في زمرة الأموات الذين سبقوا لحظة احتضارهم!

- في هذه الحياة أشياء كثيرة تتفاوت في أهميتها عند البشر، وكلما كانت حواسك مرهفة، وفكرك أرحب؛ كانت استجابتك لها أقوى، أن تُرهف حواسك في كل لحظة، أن تُدرك ما يدور حولك و يؤثر فيك، أن تجعل تأثيره إيجابياً لصالحك وصالح الآخرين، أن تشعر بالتفاؤل في كل لحظة، أن تستلهم ما استطعت من جمال، أن تصادق روحك وعقلك! أن تُعطي بغير حدود، أن تفكر بخير، وتحسن النية مع حرص حتى لا تُصدم بآراء مناوئة، كل تلك دلالات محمودة؛ تدل على أنك تعيش وأنك لا زلت حياًّ![