بوح الخواطر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أنين الندم

اذهب الى الأسفل

أنين الندم Empty أنين الندم

مُساهمة من طرف الامبراطوره 7/21/2011, 12:41 am

يُفتح الباب ويدخل الأب عائداً من صلاةِ الجمعة كعادته، وعلامات الحزن تملأ تعابير وجهه رغم مرور أكثر من ستة اشهرٍ على الحادث الأليم.وقد أعدت الأم الطعام واصطف الأولاد فى إنتظار الأب ليتناولوا الغداء ،، فإذا بالأب يجلس فى سكون تام على الأرض متكئاًعلى مسند صغير واضعاً يديه على رأسه وفجأة يجهش فى البكاء كطفلٍ ضاعت منه لعبته.وهنا تترك الاسرة الطعام ويسألوه:
-مابالك يا أبى؟
رغم أنهم يعلمون جيداً ما به - فيرفع رأسه والدمع يتساقط من عينيه ويقول :
-نظرت خلفى وأنا قادم من صلاتى فلم أجده ،لم يكن ليمشى أمامى أبداً ، وكنت دائماً أنظر ورائى فأجده متتبعاً إياى فى أدب جم .
ثم يستدرك قائلاً ..
ليتنى ما عنفته فى يوم من الأيام،ليتنى تركته يفعل ما يشاء ،ليتنى كنت أحن عليه ولو ببعض الكلمات ،ليتنى .. ليتنى .. .
وهنا يترك الجميع الطعام منهالين فى البكاء لتذكرهم إبنهم الغالى أحمد الذى رحل فجأة عن الحياة تاركاً إياهم فى حزن وندم شديد .
.
كان صبياً فى الثانية عشرة من عمره ، فى المرحلة الإعدادية ولكنه لم يكن ناجحًا ومتفوقًا مثل بقية إخوانه ، فقد تعثر فى أحد السنوات .. وماذا فعل الجميع من حوله؟ وكأنه وقع فى جرم لم يقترفه أحد قبله .. لم يكفوا عن تعنيفه وإلقاء نظرات السخرية عليه من حين لآخر وما كان منه إلا أن يتجرع هذا بداخله فى صمت. أما أمه فكانت ربة بيت مشغولة دائمًا ببيتها وكيف ترضى الجميع ،، ولكن الأب كان وضعه مختلف عنهم جميعاً ،رغم أنه يكد على أولاده حقاً ،ولكنه كان فى معظم الأحيان فظاً غليظ القلب .. فى الصباح يعمل عاملاً بسيطاً،ثم بعد الظهر يذهب لقاربه الصغير فى النيل ، فقد كان صياداً بارعأً يحب هذا العمل كثيرًا و دائماً ما كان يصطحب أولاده ليساعدوه فى الصيد بالشباك على هذا القارب الصغير.
.
يحبهم كثيرًا بدون شك و لكنه نادرًا ما يظهر ذلك و يعتبره ضعفًا ،لا يدرك أن الأولاد يحتاجون الحنان والتشجيع على قدر إحتياجهم للطعام والملبس .ودائما يعنفهم وخصوصا أحمد لأنه لم يكن متفوقاً .فلم يكف أبداًعن ضربه أحيانأ وشتمه بعبارات شاقة على نفس صبىٍ صغير مثله لم يرتكب إثماًإلا لأنه ليس له ميل للتعليم ، وكأنه يشعر أنه لابقاء له فى هذه الدنيا القاسية .
.
كان يهتم كثيرأً بملبسه ومظهره عن إخوته الخمسة ،وكثيرًا ما كان يرقص رقصة الصبيان على القارب فى النيل ويضحك الناس منه ومن خفة ظله. ورغم روحِه المرحة المنطلقة التى تأبه التقيّد بأى شىء ،يشعر بحزن شديد كلما وبّخه أحد ، فكان كثيراً ما يجلس حزيناً مهموماً وحده.
.
قبل وفاته بأسبوع كان يتردد على المقابر كثيرًا دون سبب وكأن شيئًا يجذبه إلى هناك بإستمرار ، و طبعا كان هذا سببًا آخر لضربه وتعنيفه من جهة الأب. لم يجد أمامه سوى أخته الكبرى التى كانت تحن عليه كأمه وتخفف عنه آلامه التى يرمى بها عليها.سألها يومًا عن الموت وكيف يكون؟ وماذا يحدث للموتى بعد الموت؟ .. سؤاله كان غريبًا جدًا ولكنها –قدراً- كانت تقرأعنه كثيرًا فأخذت تشرح له كل شىء بالتفصيل وهو يستمع إليها بكل إنتباه وكأنه أخيرًا وجد ملاذاً آمناً له. لم يخطر على بال أحد أن هذا الصبى الملىء بنشاط الصبا والذى يكبر يومًا بعد يوم يموت فجأة بدون سبب. فى عصر آخر أيامه كان يلعب الكرة مع رفاقه وإذا بأمه تنادى عليه :
- أحمد كفى لعب تعال إلى هنا.
فيرد عليها بكلمات لم تُنسى أبداً وكأن القدر هو الذى ينطق قائلاً:
- حاضر يا أمى .. والله إنها آخر ركلة.
.
وينام الجميع فى آخر ليلة مع هذا الفتى الصغير. وفى تمام الساعة السادسة صباحاً تستيقظ الأم كعادتها تجهز الفطور لأسرتها فتجد أحمد-على غير عادته- يستيقظ وحده دون عناء الأم، فيتوضأ ويصلى وينغلق الباب عليه فتنادى عليه :
- أحمد تعالَ و نادِ على إخوتك .. الفطور جاهز.
ولكنه لا يجيب .. فتنادى مرة ومرة أخرى فلا يرد عليها ، فتقوم بنفسها فتفتح الحجرة لتجده نائمًا هادئًا تماماً ، فتعتقد أنه نام ثانية ، تهزه وتهزه ولكنه لا يجيب .. فتبدأالأم ينتابها القلق على ولدها ، تنادى على إخوته و الجميع كلهم حضروا ، ولكن أحمد لا يجيب عليهم .. بدأت الأم تقول: (هلموا لأبيه فى القارب قولوا له إن أحمد مغشى عليه ولا يجيب.) . فيأتى الأب وكأنه لم يصدق ما يحدث ( ماذا عسى أن يحدث لأحمد؟.. إنه بصحة جيدة ..ولم يَشْكُ من شىء قط.) .. فيقف متهجمًا على باب الحجرة مناديًا عليه بغضب :
- قم يا ولد .... أتهزأ بنا أم ماذا؟
وهنا ينتفض جسد أحمد المسكين وكأنه شعر بصوت والده فخاف منه، ولكنه هذه المرة لم يرد عليه كعادته . يقترب منه الأب فى هلع يتملكه فجأه ،ينظر إلى جسده الممتد على الفراش فى سكينة ونفسه تقول لقد أصبح يافعاً ، يتحسس قدميه فإذا بهما باردتين ، يهزه مرة تلو الأخرى مناديأ عليه بصوت يرتجف يتسلله الخوف ، وفى هذه اللحظات العصيبة يتحول من أب عبوس هجوم إلى أب حنون تائه لا يعرف ماذا يفعل. يهرع الجميع إلى الطبيب فيأتوا به ولكن حتى الطبيب لم يعرف ماذا يحدث فيقول مترددا: ربما يكون هناك نزيف فى المخ خذوه إلى المستشفى.
.
وسرعان ما أتت السيارة وحملوا أحمد داخل السيارة .وهنا ينظر إليه الأب ورأسه فى حجره متلمسأً وجهه - ربما لأول مرة - فى حيرة ودهشة تقتله محدثاً نفسهSadماذا حدث لأحمد؟ هل هذا بسببى؟ .. هل ممكن أن يموت فعلا؟ .. لكن كيف؟.. قم يا بنى لا تعذبنى ، لا أتحمل رؤيتك هكذا ).
وما إن وصلوا إلى الإستقبال وبمجرد أن وضع الأطباء جهاز التنفس فارقت روحه البريئة الحياة الدنيا إلى الحياة التى كان يسأل عنها دوماً، تاركًا جسدًا نائمًا هادئاً مطمئناً كالملائكة و كأنها أول مرة ينام بدون أن يسمع صوت أبيه الهجوم.يبكى الجميع ومن بينهم الأم التى يحترق قلبها.بينما يصمت الأب تمامًا من وَهْلِ الصدمة الشديدة ولكن قلبه يعتصر مرارةً وألماً على فقدان ولده الذى يحتضنه بين يديه فى السيارة عائداً به،ولم يكف عقله عن قول (هل مات بسببى؟؟ .. ليتنى ... ليتنى ... ).


.
تمت
.

الامبراطوره
عضو ماسي
عضو ماسي

عدد المساهمات : 1048
التقييم : 5
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
الموقع : [URL=http://ksa1518.arabform.com][IMG]http://www.arabform.com/img/img_468_60.gif[/IMG][/URL]

بطاقة الشخصية
اليوم:

https://baw7.rigala.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى